Tuesday, April 7, 2009

المنحى العجائبي في أخي يفتش عن رامبو

أخي يفتش عن رامبو" عبثية الواقع والمنحى العجائبي بقلم / عادل ضرغام
ربما كان المدخل المناسب للمجموعة القصصية "أخي يفتش عن رامبو" للقاص يوسف المحيميد يرتبط في الأساس بالوقوف عند عنوان المجموعة، ودلالة كلمة الأخ، ودلالة كلمة رامبو، لأن هاتين الكلمتين مهمتان في الاقتراب من هذه المجموعة القصصية. وربما كانت مقولة الاتصال والانفصال في آن بين المبدع والإنسان ضرورية في ذلك السياق، وسوف تأتي في ذلك السياق مقولة التشابه والاختلاف، بين رغبات المبدع وانحيازه إلى المثالي والبدائي، وانحيازه الأهم إلى محاولة فهم العالم، ولم أجزائه المبعثرة في نسق قريب من الاكتمال، وبين الإنسان المرتبط بتقاليد وأسس تجعله خانعا عند حدود معينة، ومن خلال المقارنة يأتي الصراع، ويأتي العراك الداخلي، مكونا حركة المعنى في أغلب قصص المجموعة.
وانطلاقا من حالة الصراع السابقة بين المبدع والإنسان يمكننا التوقف عند دلالة رامبو، ذلك الشاعر الرمزي الذي كان يقدم شعرا يعرض من خلاله الوجود الروحي، ويجتاز منطق العقل والمادة في شبه غيبوبة صوفية، تدق باب المجهول. ومن خلال التقديم السابق تتجلى طبيعة ذلك الأخ، الذي تكون بفعل الهوة الواسعة بين أجزاء الواقع التي تند عن الترتيب والتنظيم في نسق مقبول، فالأخ هو المبدع الذي يسكن الإنسان، وهو في هذه المجموعة يتعاظم على طريقة الفهم العادية،ليسلك طريقا إلى أفق الروح. والوقوف عند القصة التي تحمل عنوان المجموعة، ربما يجعلنا نتحرك بالدلالة السابقة إلى أفق جديد يرتبط بالإبداع الأدبي، والبحث عن لغة جديدة، فاللغة السابقة لم تعد مملوءة بالوهج الفني وكذلك إجابته عن أسئلته الخاصة لم تعد كافية في اللحظة الآنية، ومن ثم كان الخروج خلف رامبو، للبحث عن لغة جديدة، لم تدنس باستعمال ومس الآخرين لها، فهو خروج للبحث عن توجه فني، ولغة شديدة الخصوصية، تقدم سياقه الحضاري المتشظي والمبعثر، من خلال آليات تستحضر الانقسام والتعدد. والمتأمل لهذه المجموعة يدرك أن هناك بعض الصور والأحداث التي تشير إلى العجائبية أو الغرائبية، وهذا ربما يكون نابعا من التوجه نحو الخروج عن النسق المتاح المقبول، فإذا كان النسق المقبول والمتاح لا يفهم ويثير أسئلة باطنية مختفية في بعض القصص مثل "منشورات غير سرية" و"حالة تفتيش" و"مجرد لعبة ليست رخيصة", فإن المبدع بالضرورة يقدم أحداثا عجائبية في ثنايا قصصه على نحو ما, لأن هذه الأحداث هي التي تحفظ له وجوده واتزانه، وتجعله يستطيع الاستمرار في إطار عالم يستعصي على الفهم، خاصة إذا كان هذا الفهم وهذا الإدراك نابعين من وعي فطري، يدرك الحياة من أيسر جوانبها، ولكن هذا لا يجعلنا ـ بالضرورة ـ ننساق وراء بعض الأصوات النقدية التي أشارت إلى متاهة خورخي لويس بورخس وارتباط المحيميد بها، فهي ليست إلا جنوحا ونزوعا نحو العجائبي الذي يتماثل في أكثر صوره جنوحا مع عبثية ولامعقولية الوطن العربي الكبير. إن هذه المجموعة القصصية تدخل ـ لولا الأخطاء النحوية الموجودة في كل صفحة ـ ضمن إطار الفن الجاد الذي يعالج القضايا الكبرى، ولا يعالجها بشكل فردي أو تراتبي، وإنما يعالجها دفعة واحدة، وكأن القضايا الكبرى بينها ارتباط حميم يجعل الإشارة إلى واحدة منها إشارة إلى مجمل القضايا. ففي قصة "لا مكان لعاشق في هذه المدينة" سنجد أن القصة ترتبط في الأساس بقصة حب، ليست يقينية، وإنما تنحت وجودها واختلافها عن التجارب الأخرى من الوهم، فالوهم هو الذي يعطي هذه التجربة تميزها، وهي في ذلك السياق تذكرني بقصة "ذراعان" للقاص المصري "أبو المعاطي أبو النجا"، حيث يجلس البطل والبطلة في دار الخيالة دون سابق معرفة، ويبني البطل أوهامه وخيالاته من خلال ملامسة ذراعها، فإذا تركتها فهي محبة له، وإذا رفعتها فقد غضبت منه. ولكن هذه القضية في قصة يوسف المحيميد، لا تنفصم عن الفن وميلاده وطبيعة تلقي بعض المجتمعات له، فالجزئية التي قدمتها القصة على نحو رائع، والخاصة بتجميع الطفل لأحجاره الصغيرة، يصنع منها عالمه الخاص، وهو نزوع يشير إلى بذرة الفن، التي تتجلى في إشارات لا تنتبه لها بعض المجتمعات انطلاقا من النسق المتبع والتربية الخاصة، فهذه المجتمعات مأخوذة بالتفسير الجاهز. إن هذه المجتمعات تعرقل مسيرة الفن في أسمى مظاهره، وفي الوقت ذاته تعرقل الحب، وقد قدمت القصة ذلك الترابط الحميم بين القضيتين من خلال لقطة رائعة، حين تحسس السارد مكان الكي ـ بوصفه حسابا على تجميعه السابق للحجارة ـ الذي ترك آثاره منذ الطفولة، وهو منطلق إلى السوق للمحبوبة, وهذا الترابط بين القضايا الكبرى لا يوجد إلا في الفن الحقيقي، الذي يربط بين الأشياء دون تعمد أو قصد يمكن أن يشعر به المتلقي، وتأتي نهاية القصة مفصحة عن جزئية مهمة وأساسية، ترتبط بذوبان الفواصل بين الحب والفن، فالفن ليس إلا عشقا، ولكنه يتوجه إلى امرأة ليست من لحم ودم. إن الفن في هذه المجموعة وثيق الصلة بالمجتمع، وطبيعته التي تتنافى مع الانسجام، ولم يكن الانطلاق نحو العجائبي، إلا محاولة فردية للانسجام، يتجلى ذلك في قصة "أحلام ثقيلة"، حيث ترتبط الأم بالخنوع، ويرتبط السارد باستشراف الآمال، وفي قصة "مجرد علبة ليست رخيصة"، سنجد التوازي بين تخليص علبة سفن أب من الثلاجة ـ لاحظ التشابه مع كلمة الأب ونسقها الدلالي المرتبط بالمادية الرأسماليةـ وتخليص جثة الأب، وصعوبة ذلك، لأنه لا يملك ثمن علاجه السابق قبل الوفاة. ومن قصص المجموعة المهمة قصة "لا تقلب نعلك حتى في نورج" فهذه القصة تدخل في نسق خاص يرتبط بالتعامل مع الآخر، فالقصة التي جاءت من خلال ضمير المتكلم تقدم بطلا مسكونا بوعيه القديم، والثابت السكوني في الآن ذاته، وهذا الوعي حين يتقابل مع الوعي المادي الغربي يثير عددا من الأسئلة والاتهامات المتبادلة من الجانبين، فالجانب العربي ممثلا في البطل يرى كل الوجوه المحيطة به شبيهة إلى حد بعيد بالقرود، استنادا إلى وعيه القديم المأخوذ من الأم، والجانب الآخر يرى في ذلك البطل نموذجا للهوس غير المبرر والمرض النفسي. إنه توجه حواري بين جانبين، ولكن على المبدع ـ وهذه ليست وصاية أو مصادرة ـ أن يتقدم خطوة أخرى بعيدا عن الجزئيات البسيطة مثل قلب الحذاء أو أي جزئية شبيهة، للدخول إلى جزئيات وثيقة الصلة بفكرنا الأصيل المتجذر في نفوسنا وتكويننا الشخصي.

No comments: