بعيدا عن الانتظار ..مطمئنا على الحافة
عادل ضرغام
يجيء الديوان الرابع (مطمئنا على الحافة ) للشاعر علي الحازمي ، ليشير إلى أن شعريته بداية من ديوانه الأول تقدم نموذجها الشعري من خلال الاتكاء على أسس فنية، وجدت من البداية بوصفها مكونات جزئية لخطابه الشعري،ولكن هذه المكونات تتعرض في إبداع الشاعر للمساءلة والتجريب باستمرار،ولهذا لا يستمر من هذه المكونات سوى ما هو صالح للاستمرار، ومجابهة عوامل التحول السريع في إبداعنا الشعري،خاصة إذا أدركنا أن الشاعر علي الحازمي من الشعراء المؤمنين بأن قصيدة التفعيلة ،ما زالت تحمل القدرة على تجلية عواطفنا وأحاسيسنا الداخلية، بل لديها القدرة – إذا أحسن توظيف إمكانياتها- على الإشارة إلى المخبوء ،الذي لا يحمل قيمة شعرية للوهلة الأولى ،ويحتاج إلى خصوصية راصدة،تعيد له ألقه المفقود،تحت ضغط العادة وعدم الالتفات إليه।
ومكونات الخطاب الشعري لدى على الحازمي عديدة،خاصة إذا تتبع القارئ مسيرته الشعرية،في ديوانيه الأخيرين على نحو خاص ، ربما يكون المكون الأول لخطابه الشعري يتمثل في استراتيجية اختيار العنوان الخاص بالديوان، وكأنه نواة دلالية منفردة ومرتبطة بقصائد الديوان في الوقت ذاته، فهو لا يقنع باختيار اسم قصيدة من القصائد الموجودة داخل الديوان، ولا يقدم عنوانا يكون ملما بالتمدد الدلالي للقصائد بشكل سريع ، وإنما- يتجلى لي بعد الاشتغال على الديوان كاملا –أن اختيار العنوان يتم في إطار جهد مواز لعملية الإبداع ذاتها ، وربما يحتاج إلى جهد مضاعف ،خاصة بعد انتهاء عملية الكتابة، وانفراط الحالة التي كان يمر بها الشاعر لحظة الإبداع.
إذا أخذنا ديوانه (مطمئنا على الحافة)نموذجا،نجد أنه ليس هناك قصيدة بنفس العنوان،ولكن مراجعة الديوان كيانا كاملا سوف تثبت أن هذا العنوان وثيق الصلة بحالة إدراكية للواقع المعيش بشكله الإجمالي ،وللواقع الفردي ،الواقع الإجمالي الذي لا يكترث كثيرا لرغبات وتطلعات الفرد ،ولا يشعر بالمعاناة الفردية،والواقع الفردي المشدود للماضي ويائسا من القادم ،فكأنه وصل لمرحلة الثبات والرضا بهذا الثبات، بل ويصنع من هذا الثبات شرنقة تحميه من الارتباط بالقادم أو الانتظار، يقول على الحازمي في قصيدته (طوق للغرق):
في دروب الحياة الأليمة
تأتي إلينا الحياة بكامل زينتها
ويغيب الذي ننتظره طويلا
فلا هو حي ولا هو ميت
هتافات أمنية ينصب الوقت خيمتها
حولنا في الخيال وليس لنا في اليقين وتد
يفتح لنا الجزء المقتبس السابق،جزئيات تتماس مع العنوان الموضوع على الديوان، والتي تتمثل في الثبات إلى حالة خاصة تؤمن بصعوبة المنتظر أو عدم مجيئه ،ولكنها ما زالت ترقبه في أسى شفيف. ومن ديمومة الحالة وطنت نفسها على الإقامة في مساحة الريب بين الحياة والموت، أو في مساحة الأعراف بينهما.
إن شعرية الديوان في إطار التوقف عند العنوان هي شعرية المراجعة و التأمل ،المراجعة الموقنة بالخيبات الكبرى على جميع المستويات ،مثل تسرب الإيمان بالأمل، وبالقادم، ولا مجال – في إطار ذلك – بشحن الذات مرة أخرى للدخول في فلك خاص من للحياة ، تلك الحياة التي آثر أن يقيم فيها بمقوماته التي يسدلها ويحركها ،حتى لو كانت ماثلة في السكون والانعزال، وليس بمقوماتها التي تهمله وتقصيه.
إنها شعرية لمراقبة الفوات والنهاية ،التي لا يمكن أن تبدأ من جديد،لأن عدم إدراك قيمتها لحظة وهجها جعلها تفتر تدريجيا ،بالإضافة إلى أن إدراك قيمتها في اللحظة الآنية،لا يمكن أن يعيد إلى الذات الشاعرة الوهج القديم.
المكون الثاني من مكونات الخطاب الشعري لعلي الحازمي يتمثل في اللغة الخاصة به،فلغته الشعرية تؤسس إيقاعها الخاص، محتمية- في ذلك السياق- بغابة الصور المجهرية، والتمدد التركيبي المحسوب برهافة، وهذه الصور تشير إلى مد دلالي ومدلول فكري، لا يقنع بالمؤسس سابقا في ذلك السياق ، وإنما يحاول أن يغير في ملامح هذا المؤسس، من خلال عملية استبدال يقوم بها الشاعر واعيا، ففي القصيدة الأولى (خذني إلى جسدي) من الجزء الأول ( عين تحدق في الفراغ)، لا يكتفي علي الحازمي بالاشتغال على الربط المعهود لدى المبدعين والشعراء بداية من هنريك إبسن في مسرحيته (حورية من البحر)، ذلك الربط الخاص بين المرأة والبحر، والمؤسس على نحو خاص في شعر التفعيلة .فعلي الحازمي لا يقف عند حدود هذا الربط، وإنما يقوم بعملية تغيير واعية، بحيث تتحول المرأة البحر في نصه إلى حالة فريدة للحاجة للعذوبة ولظل الأخر،وكأن الشاعر لديه وعي بهذا الربط القديم، فجاء نصه الشعري لمساءلته ،ولإعادة توزيع الأدوار، فالمرأة تحولت إلى منفعلة متأثرة بهذا الملح ،ولم تعد فاعلة كما تجلى في النصوص القديمة لهذا الربط.
والإشارة إلى هذه الجزئية ، قد تشدنا إلى مكون آخر من مكونات خطاب علي الحازمي الشعري ،وهو مكون خاص بهذا الديوان، فالديوان – في حقيقته- لا يعاين الذات الشاعرة فقط، من خلال آلامها وآمالها وإحباطاتها المستمرة،وإنما يعاين الآخر الأنثوي ،بل يمكن القول – على نحو أكثر دقة- إن الاهتمام الأساسي في الديوان يرتبط بالآخر، ويجيء الاهتمام بالذات في جزئيات التلاحم أو الابتعاد، التي تشير في النهاية إلى مصير مأساوي .
والديوان في مقاربته للآخر الأنثوي ،ينفتح على مساحات الفقد والفوات وعدم الانتباه، كما في نصوص مثل (زواج الحرير من نفسه)و( دلني صوتي عليك)،ويبلغ رصد الآخر – الذي لا يبعد عن رصد الذات في الآن نفسه- مداه في قصيدة ( سلم للغيب)،فهذا النص يعيدنا إلى شتات آدم وحواء في بدء الخليقة ،فلم يكن هناك سواهما ،ولكن كل واحد منهما كان يسير في طريق مباين للآخر:
لم نهتد للفجر في غدنا الموارب
غربتنا قبلة التيه التي آخت سرابا
لم يحن في روحنا
إن نص (سلم للغيب) نص للاتجاهات المختلفة ،أو هو نص الشتات،الذي يبذر العاشقين في مكانين مختلفين للبحث عن الآخر، والنص في بنائه يشير إلى هذا الشتات في كل مقطع من مقاطعه ،فجهة كل واحد منهما – بالرغم من هذه الحميمية البادية والترابط الأبدي- مختلفة ،بالإضافة إلى أن الشتات في قصة آدم وحواء انتهى باللقاء واكتمال القسيمين بعد فترة زمنية محددة،أما في نص على الحازمي فالشتات حالة حتمية ،ولكنه يتعاظم – من خلال الخيال الذي يمكن أن يكون سلما للغيب – لرصد حالات العشق الخاصة بالعاشقين، بداية من الجمرة المتقدة ومرورا بالانطفاء التدريجي، وانتهاء برماد النهاية ،وكأن القصيدة تعبر عن حالة عشق خاصة تبحث فيها الذات عن نصفها المفقود منذ بدء الخليقة،فإذا وجدته أصبحت إنسانا كاملا بتعبير المتصوفة، يقول علي الحازمي:
لم لا تصدق
كلما حدقت في المرآة موتك بعدها
ليلى التي أحببت يا قلبي
تكالب حول معظمها اليباب
وبدد التيه المسافر ظلها
إن مراقبة توزيع النصوص في ديوان ( مطمئنا على الحافة) تشير إلى مكون آخر،يرتبط بالحالة الشعرية للديوان، فالديوان من خلال قسميه يقارب حالة واحدة متدرجة من التأمل للسكون والتسكين في سياق أخير،بحيث يغدو الجزء الأول مرتبطا بتأمل الحالة من خلال المساءلة والمكاشفة المستمرة، راصدا مساحات العطش والاغتراب والتشظي على القسيمين، وصولا إلى الجزء الثاني (تأثيث الغياب)، وكأنه نتيجة حتمية لمساحات الخسران والفوات والنهايات الحتمية،كما تجلت في الجزء الأول.
أما أهم مكونات الخطاب الشعري عند علي الحازمي ، فتتمثل في الصورة الشعرية ،وصور علي الحازمي ليست ناتئة ،وإنما هي صور جزئية يكيفها كيان فكري أكبر ،يشدها ولا يفتتها،بحيث تغدو مشدودة إلى ذلك الكيان الأكبر أكثر من ارتباطها إلى ذاتها وتوحدها،ففي قصيدة (أضاعت مفاتيح رغبتها)يبدو المنحى الفكري واضحا في مقاربة الوحدة ، والطاقة المهدرة لأنثى بالانعزال:
بعينين خاليتين
من الدفء والحب والأمنيات
تظل تجدف نهر فراغ
يطوق وحدتها في الهزيع الأخير
طواعية
أسلمت نفسها لاعتلال التغرب
دون التفات لناي يهدهد
جمر حرائقها من بعيد
فالصور الجزئية أو المجهرية في النص السابق، لا تحتاج- وكل نصوص علي الحازمي-إلى مقاربة منفردة بعيدة عن المنحى الفكري، المهموم بالإشارة إلى حالة شديدة الخصوصية ، مرتبطة بالتيبس الساكن دون التفات لهواء الخارج وبقع الضوء.
ويغدو الاهتمام – والحالة تلك- مرتبطا ومشدودا إلى الكيان الأكبر الفكري ،الذي يكيف هذه الصور الجزئية ،بحيث تبدو معه مشدودة إلى دلالات فكرية تتوالد تدريجيا لحظة القراءة مشكلة في النهاية جسدا نصيا لا نتوء فيه.
عادل ضرغام
يجيء الديوان الرابع (مطمئنا على الحافة ) للشاعر علي الحازمي ، ليشير إلى أن شعريته بداية من ديوانه الأول تقدم نموذجها الشعري من خلال الاتكاء على أسس فنية، وجدت من البداية بوصفها مكونات جزئية لخطابه الشعري،ولكن هذه المكونات تتعرض في إبداع الشاعر للمساءلة والتجريب باستمرار،ولهذا لا يستمر من هذه المكونات سوى ما هو صالح للاستمرار، ومجابهة عوامل التحول السريع في إبداعنا الشعري،خاصة إذا أدركنا أن الشاعر علي الحازمي من الشعراء المؤمنين بأن قصيدة التفعيلة ،ما زالت تحمل القدرة على تجلية عواطفنا وأحاسيسنا الداخلية، بل لديها القدرة – إذا أحسن توظيف إمكانياتها- على الإشارة إلى المخبوء ،الذي لا يحمل قيمة شعرية للوهلة الأولى ،ويحتاج إلى خصوصية راصدة،تعيد له ألقه المفقود،تحت ضغط العادة وعدم الالتفات إليه।
ومكونات الخطاب الشعري لدى على الحازمي عديدة،خاصة إذا تتبع القارئ مسيرته الشعرية،في ديوانيه الأخيرين على نحو خاص ، ربما يكون المكون الأول لخطابه الشعري يتمثل في استراتيجية اختيار العنوان الخاص بالديوان، وكأنه نواة دلالية منفردة ومرتبطة بقصائد الديوان في الوقت ذاته، فهو لا يقنع باختيار اسم قصيدة من القصائد الموجودة داخل الديوان، ولا يقدم عنوانا يكون ملما بالتمدد الدلالي للقصائد بشكل سريع ، وإنما- يتجلى لي بعد الاشتغال على الديوان كاملا –أن اختيار العنوان يتم في إطار جهد مواز لعملية الإبداع ذاتها ، وربما يحتاج إلى جهد مضاعف ،خاصة بعد انتهاء عملية الكتابة، وانفراط الحالة التي كان يمر بها الشاعر لحظة الإبداع.
إذا أخذنا ديوانه (مطمئنا على الحافة)نموذجا،نجد أنه ليس هناك قصيدة بنفس العنوان،ولكن مراجعة الديوان كيانا كاملا سوف تثبت أن هذا العنوان وثيق الصلة بحالة إدراكية للواقع المعيش بشكله الإجمالي ،وللواقع الفردي ،الواقع الإجمالي الذي لا يكترث كثيرا لرغبات وتطلعات الفرد ،ولا يشعر بالمعاناة الفردية،والواقع الفردي المشدود للماضي ويائسا من القادم ،فكأنه وصل لمرحلة الثبات والرضا بهذا الثبات، بل ويصنع من هذا الثبات شرنقة تحميه من الارتباط بالقادم أو الانتظار، يقول على الحازمي في قصيدته (طوق للغرق):
في دروب الحياة الأليمة
تأتي إلينا الحياة بكامل زينتها
ويغيب الذي ننتظره طويلا
فلا هو حي ولا هو ميت
هتافات أمنية ينصب الوقت خيمتها
حولنا في الخيال وليس لنا في اليقين وتد
يفتح لنا الجزء المقتبس السابق،جزئيات تتماس مع العنوان الموضوع على الديوان، والتي تتمثل في الثبات إلى حالة خاصة تؤمن بصعوبة المنتظر أو عدم مجيئه ،ولكنها ما زالت ترقبه في أسى شفيف. ومن ديمومة الحالة وطنت نفسها على الإقامة في مساحة الريب بين الحياة والموت، أو في مساحة الأعراف بينهما.
إن شعرية الديوان في إطار التوقف عند العنوان هي شعرية المراجعة و التأمل ،المراجعة الموقنة بالخيبات الكبرى على جميع المستويات ،مثل تسرب الإيمان بالأمل، وبالقادم، ولا مجال – في إطار ذلك – بشحن الذات مرة أخرى للدخول في فلك خاص من للحياة ، تلك الحياة التي آثر أن يقيم فيها بمقوماته التي يسدلها ويحركها ،حتى لو كانت ماثلة في السكون والانعزال، وليس بمقوماتها التي تهمله وتقصيه.
إنها شعرية لمراقبة الفوات والنهاية ،التي لا يمكن أن تبدأ من جديد،لأن عدم إدراك قيمتها لحظة وهجها جعلها تفتر تدريجيا ،بالإضافة إلى أن إدراك قيمتها في اللحظة الآنية،لا يمكن أن يعيد إلى الذات الشاعرة الوهج القديم.
المكون الثاني من مكونات الخطاب الشعري لعلي الحازمي يتمثل في اللغة الخاصة به،فلغته الشعرية تؤسس إيقاعها الخاص، محتمية- في ذلك السياق- بغابة الصور المجهرية، والتمدد التركيبي المحسوب برهافة، وهذه الصور تشير إلى مد دلالي ومدلول فكري، لا يقنع بالمؤسس سابقا في ذلك السياق ، وإنما يحاول أن يغير في ملامح هذا المؤسس، من خلال عملية استبدال يقوم بها الشاعر واعيا، ففي القصيدة الأولى (خذني إلى جسدي) من الجزء الأول ( عين تحدق في الفراغ)، لا يكتفي علي الحازمي بالاشتغال على الربط المعهود لدى المبدعين والشعراء بداية من هنريك إبسن في مسرحيته (حورية من البحر)، ذلك الربط الخاص بين المرأة والبحر، والمؤسس على نحو خاص في شعر التفعيلة .فعلي الحازمي لا يقف عند حدود هذا الربط، وإنما يقوم بعملية تغيير واعية، بحيث تتحول المرأة البحر في نصه إلى حالة فريدة للحاجة للعذوبة ولظل الأخر،وكأن الشاعر لديه وعي بهذا الربط القديم، فجاء نصه الشعري لمساءلته ،ولإعادة توزيع الأدوار، فالمرأة تحولت إلى منفعلة متأثرة بهذا الملح ،ولم تعد فاعلة كما تجلى في النصوص القديمة لهذا الربط.
والإشارة إلى هذه الجزئية ، قد تشدنا إلى مكون آخر من مكونات خطاب علي الحازمي الشعري ،وهو مكون خاص بهذا الديوان، فالديوان – في حقيقته- لا يعاين الذات الشاعرة فقط، من خلال آلامها وآمالها وإحباطاتها المستمرة،وإنما يعاين الآخر الأنثوي ،بل يمكن القول – على نحو أكثر دقة- إن الاهتمام الأساسي في الديوان يرتبط بالآخر، ويجيء الاهتمام بالذات في جزئيات التلاحم أو الابتعاد، التي تشير في النهاية إلى مصير مأساوي .
والديوان في مقاربته للآخر الأنثوي ،ينفتح على مساحات الفقد والفوات وعدم الانتباه، كما في نصوص مثل (زواج الحرير من نفسه)و( دلني صوتي عليك)،ويبلغ رصد الآخر – الذي لا يبعد عن رصد الذات في الآن نفسه- مداه في قصيدة ( سلم للغيب)،فهذا النص يعيدنا إلى شتات آدم وحواء في بدء الخليقة ،فلم يكن هناك سواهما ،ولكن كل واحد منهما كان يسير في طريق مباين للآخر:
لم نهتد للفجر في غدنا الموارب
غربتنا قبلة التيه التي آخت سرابا
لم يحن في روحنا
إن نص (سلم للغيب) نص للاتجاهات المختلفة ،أو هو نص الشتات،الذي يبذر العاشقين في مكانين مختلفين للبحث عن الآخر، والنص في بنائه يشير إلى هذا الشتات في كل مقطع من مقاطعه ،فجهة كل واحد منهما – بالرغم من هذه الحميمية البادية والترابط الأبدي- مختلفة ،بالإضافة إلى أن الشتات في قصة آدم وحواء انتهى باللقاء واكتمال القسيمين بعد فترة زمنية محددة،أما في نص على الحازمي فالشتات حالة حتمية ،ولكنه يتعاظم – من خلال الخيال الذي يمكن أن يكون سلما للغيب – لرصد حالات العشق الخاصة بالعاشقين، بداية من الجمرة المتقدة ومرورا بالانطفاء التدريجي، وانتهاء برماد النهاية ،وكأن القصيدة تعبر عن حالة عشق خاصة تبحث فيها الذات عن نصفها المفقود منذ بدء الخليقة،فإذا وجدته أصبحت إنسانا كاملا بتعبير المتصوفة، يقول علي الحازمي:
لم لا تصدق
كلما حدقت في المرآة موتك بعدها
ليلى التي أحببت يا قلبي
تكالب حول معظمها اليباب
وبدد التيه المسافر ظلها
إن مراقبة توزيع النصوص في ديوان ( مطمئنا على الحافة) تشير إلى مكون آخر،يرتبط بالحالة الشعرية للديوان، فالديوان من خلال قسميه يقارب حالة واحدة متدرجة من التأمل للسكون والتسكين في سياق أخير،بحيث يغدو الجزء الأول مرتبطا بتأمل الحالة من خلال المساءلة والمكاشفة المستمرة، راصدا مساحات العطش والاغتراب والتشظي على القسيمين، وصولا إلى الجزء الثاني (تأثيث الغياب)، وكأنه نتيجة حتمية لمساحات الخسران والفوات والنهايات الحتمية،كما تجلت في الجزء الأول.
أما أهم مكونات الخطاب الشعري عند علي الحازمي ، فتتمثل في الصورة الشعرية ،وصور علي الحازمي ليست ناتئة ،وإنما هي صور جزئية يكيفها كيان فكري أكبر ،يشدها ولا يفتتها،بحيث تغدو مشدودة إلى ذلك الكيان الأكبر أكثر من ارتباطها إلى ذاتها وتوحدها،ففي قصيدة (أضاعت مفاتيح رغبتها)يبدو المنحى الفكري واضحا في مقاربة الوحدة ، والطاقة المهدرة لأنثى بالانعزال:
بعينين خاليتين
من الدفء والحب والأمنيات
تظل تجدف نهر فراغ
يطوق وحدتها في الهزيع الأخير
طواعية
أسلمت نفسها لاعتلال التغرب
دون التفات لناي يهدهد
جمر حرائقها من بعيد
فالصور الجزئية أو المجهرية في النص السابق، لا تحتاج- وكل نصوص علي الحازمي-إلى مقاربة منفردة بعيدة عن المنحى الفكري، المهموم بالإشارة إلى حالة شديدة الخصوصية ، مرتبطة بالتيبس الساكن دون التفات لهواء الخارج وبقع الضوء.
ويغدو الاهتمام – والحالة تلك- مرتبطا ومشدودا إلى الكيان الأكبر الفكري ،الذي يكيف هذه الصور الجزئية ،بحيث تبدو معه مشدودة إلى دلالات فكرية تتوالد تدريجيا لحظة القراءة مشكلة في النهاية جسدا نصيا لا نتوء فيه.
No comments:
Post a Comment