مقاربة الأيديولوجيا في الرواية
د. عادل ضرغام يورد آلان روب جرييه في كتابه (نحو رواية جديدة) قوله (كتابة الرواية لا يمكن أن تكون كتابة بريئة)، وهذه المقولة بداية يمكن أن تشير إلى جزئية مهمة، وهى إن مقاربة الرواية بتجلياتها العديدة لا يمكن أن تنفصل عن المنحى الفكري أو الأيديولوجي، حتى في الروايات التي يمكن أن تكون بعيدة عن ذلك السياق انطلاقا من توجهات إبداعية نظرية .وهذا التوجه ربما يجعل مقاربة الرواية من الناحية الأيديولوجية عملا مشروعا، وتتجلى الرواية – في ذلك السياق – بوصفها مشروعا ثقافيا لا ينفصل – بالضرورة – عن السياسي والاجتماعي . ومصطلح الأيديولوجية من المصطلحات المزعجة التي تندرج تحتها دلالات عديدة، ولكنه – بالرغم من هذا الإزعاج – يظل مهما في طبيعة التواصل بين الأفراد الذين يحملون توجهات قد تكون متجاوبة أو متباينة، (فطبقا لألتوسير فالممارسة الأيديولوجية مهمة ومركزية بالنسبة لحياتنا، فالأيديولوجية تبنى خبرتنا بالعالم، وتشكلنا في إطار إرتباطنا بهذا العالم، وكذلك تبنى وتشكل إحساسنا بأنفسنا(وربما كان لألتوسير تأثير كبير في تشكيل جوانب حدود هذا المصطلح، وتجليه الفكري، ففي الدراسات الخاصة بالأيديولوجية هناك إشارات دائما إلى الوعي الزائف الذي تكونه الأيديولوجية، بوصفها آلية تحجب الحقيقة، وربما ولد هذا التوجه تحت تأثير ماركس، الذي شحن المصطلح بدلالة سلبية، (ولكن ألتوسير – الذي انطلق من إنجاز ماركس – يرى أن الأيديولوجية حقيقة جديدة، أكثر من دلالتها على حجب الحقيقة، وملاحظة ألتوسير المهمة تتمثل في أن الفردية بوصفها موضوعا تصنع – أساسا - لحمل الأيديولوجية(وفي تحديد دلالة مصطلح الأيديولوجيا، يجب أن نشير إلى أن هناك توجهين أساسيين، الأول منهما يجعل هذا المصطلح وثيق الصلة بالأفكار والمعتقدات، التي تجمع أعضاء مجتمع معين أو شريحة خاصة من أعضاء هذا المجتمع يقفون في موقف معارض أو مباين لشريحة معينة في إطار ذلك المجتمع، (فعالمة الاجتماع إميلى دوركهايم ميزت الطريقة أو النهج الأيديولوجي بوصفه نسقا يستخدم الأفكار ليحكم ترتيب الحقائق(إن هذه الأفكار أو القيم تشكل سلطة مهيمنة، في طبيعة الحركة أو الفعل أو رد الفعل، للأفراد الذين ينتمون إلى هذا المجتمع أو إلى شريحة منه، بوصفها تشكل نسقا جاهزا للحركة، فيأتي فعلهم أو رد فعلهم متساوقا أو منطلقا من هذه الأفكار،وفي ذلك يقول أحد الباحثين (كل أيديولوجية تكون إطارا أو بنية، تلك البنية التي تشتغل كعدسة تساعد أعضاء المجموعة لقراءة أو إساءة قراءة الأحداث والنصوص والصور، أو أي شكل من أشكال المعلومات، وبدون هذه القاعدة أو الإطار، أو بدون عدسة الأيديولوجية سنجد صعوبة في قراءة المعلومات والصور والأحداث، وستظل وجهة النظر الفردية غير مفهومة( إن التوجه الأول في تحديد الأيديولوجية، يجعل المصطلح وثيق الصلة بجزئيات ثقافية وفكرية واجتماعية وسياسية، وهذه الجزئيات قد أصّلت وأصبح لها إشعاع وفاعلية، بحيث تبدو محركة ومؤثرة لحركة الأفراد الذين ينضوون في إطارها . أما التوجه الثاني، فإنه لا ينظر للأيديولوجية على أنها مجرد انعكاس للسياقات السياسية أو الاجتماعية في الواقع، وإنما يلح على حضور العمليات الفكرية لدى البشر، ولهذا يشير بعض الباحثين أن الأيديولوجية هي المعرفة المشتركة . هذه المعرفة المشتركة، كان لها تأثير في توجيه المصطلح، نحو دلالات أكثر عمقا بعيدا عن دلالته السطحية في التوجه الأول، فجاءت دلالته مرتبطة في إطار ذلك التوجه وثيقة الصلة بعلاقة الإنسان بالعالم المحيط به، والأيديولوجية – في إطار ذلك التوجه – تحاول الإجابة عن أسئلة ترتبط بوضع الإنسان في ذلك الكون،وفق شروطه الوجودية المطبقة في إطار سياق حضاري، (فالأيديولوجية – كما يقول أحد الباحثين – هي علاقة معيشة بين الإنسان والعالم) وربما يكون هذا التوجه مؤثرا في توليد بعض المصطلحات،التي كان لها تأثير فاعل،في شد مصطلح الأيديولوجية إلى دلالات قد تكون أكثر عمقا،مثل مصطلح (رؤية العالم)، الذي لا يقف عند حدود معاينة وضع الإنسان وفق سياقه التاريخي بوصفه حالة ساكنة،وإنما يستدعي – بالضرورة كما يقول جمال حمداوي- الأحلام والتطلعات التي يحلم بتحقيقها مجموعة أفراد لمجموعة اجتماعية معينة( فالأيديولوجية، حين ترتبط بوضع الإنسان الذي ينتمي إلى شريحة معينة، لا تقف عند حدود الإطار الواقعي، وإنما تمتد بالضرورة إلى نسق مثالي يتوجه إليه ذلك الفرد بشريحته الخاصة التي ينتمي إليها، لأن وضع الإنسان في مواجهة العالم في تجربة معيشة يشير إلى عملية فعل وانفعال، من خلال محاولة كل قسيم تطويع الآخر لتوجهاته وأفكاره.وفي مقاربة الأيديولوجيا في الرواية هناك نسقان، النسق الأول يقف عند حدود الوعي بهذا السياق الحضاري أو السياق الأيديولوجي، ويتوجه إليه بشكل مباشر، ومن ثم يتم الانتقال إلى النص الأدبي والتعامل معه، كأنه آلة تعكس بشكل مباشر هذه السياقات المختلفة،وفي ذلك السياق يكون الاهتمام منصبا على هذه الجزئيات التي تشير إلى واقع فعلى ملموس، بدون الاهتمام بكيفية تجليها، وفاعليتها في تقديم واقع فني . والواقع الفني المقدم في الرواية على نحو خاص يختلف – بالضرورة – عن الواقع الحياتي، فالصوت السردي في العمل الروائي – كما تقول إحدى الباحثات – ليس منتج أيديولوجيا، بل يمكن النظر إليه بوصفه أيديولوجيا، لأنه موجود في نقطة الاتصال بين الموقع الاجتماعي والممارسة الأدبية) إذن فالأيديولوجية التي يمكن مقاربتها في الرواية، قد تنطلق من معطى واقعي،ولكنها في تجليها وتشكلها يتكوّن لها ملامح خصوصية، تتشكل ملامح هذه الخصوصية من البناء، ومن ثم يجب أن ينصب اهتمام الباحث أو المتلقي على البنيات الشكلية، وليس بالأيديولوجية الواقعية أو التطبيقات الاجتماعية المرتبطة بالعمل السردي . إن الفارق بين التوجهين في مقاربة الأيديولوجية، فارق ينبع من توجه يرتبط بمقاربة هلامية،تحاول إثبات الترابط بين الموجود في النص الروائي، وبين سياق خارجي، تم تأسيسه سابقا، ويكون الاهتمام مرتبطا برصد ورود هذه الجزئيات، دون إشارة إلى طبيعة تجليها، التي تمنحها مغايرة ما، وتوجه لا ينطلق من جزئيات أسست سابقا، وإنما يحاول معاينة التشكيل السردي الذي يعطى – بالضرورة نتيجة للممارسة الأدبية – واقعا مختلفا . وقد ألح كثير من النقاد على قيمة هذا المنحى، ففلاشينوف يقول (إنه بدون الإشارات اللغوية،لا توجد أيديولوجيا) وفرانك أوكونور أشار (إلى أن أي فن حقيقي هو – بالضرورة – زواج بين أهمية المادة وأهمية المعالجة الفنية)إن هذه الجزئية مهمة،لأنه ليس هناك مضمون ناجز بدون اللغة، ولا يمكن – أساسا – أن نتخيل وجود مدى دلالي دون استحضار اللغة، (فاللغة ليست فقط نظاما للملفات العقلية أو آلية لحمل الأفكار،وإنما اللغة تتكامل مع الفكرة بوصفها عملية استطرادية، اللغة والفكر يشاركان في إنتاج المعرفة .)
1 comment:
محاولة متميزة .. أرجو أن تطلع علي مدونتي فإن راقت لك فتضيفها لدليلك الموقر … ودمتم بود !!
Post a Comment