Monday, August 13, 2007

مصطلحات أدبية للنسيان

..
..
مصطلحات أدبية للنسيان
..
من المصطلحات التي شاعت في حياتنا الأدبية والثقافية، مصطلح الجيل الأدبي، وهو يشير في شكل بسيط إلى مجموعة من الشعراء والروائيين، شكلوا من خلال وجودهم في فترة زمنية معينة، ومن خلال اعتمادهم على آليات فنية خاصة، نسقا إبداعيا خاصا. والتعريف السابق ربما يضع أيدينا على تحديدات خاصة لميلاد هذا المصطلح، وربما يضع أيدينا أيضا على المشاكل التي يمكن أن تؤثر عليه بالسلب، فهذا المصطلح بالرغم من مداه الزمني الواسع المرتبط بنشأة التوجهات النقدية الحديثة، لإيجاد نوع من التباين بين مجموعة شعراء وروائيين، وجدوا في فترة زمنية معينة، وبين مجموعة أخرى نشأت في فترة سابقة أو لاحقة ما زالت جوانبه غير واضحة، ولم تتحدد معالمه حتى الآن، ولم يرسخ بوصفه مصطلحا له إشعاع تعليمي. والتحديدات التي أشرنا إليها سابقا، والتي يمكن أن تكوّن في الوقت ذاته، نوعا من المشكلات التي يمكن أن تؤدي به إلى الزوال، ترتبط بجزئيتين أساسيتين: الجزئية الأولي هي الزمن، فهذا المصطلح في جانب من جوانبه المهمة يرتبط بالزمن، فعندما نقول شعراء الخمسينيات أو الستينيات أو السبعينيات، فإننا بالضرورة نعني مجموعة من الشعراء بدأوا نشر أعمالهم الفنية في عقد زمني معين، ولكن بالرغم من هذا التحديد الزمني فإن مصطلح الجيل لا يدور حول محور الزمن، إلا بقدر وجود أفراد الجيل الواحد في فترة زمنية معينة. وهذ التحديد الزمني, يظل قاصرا إذا لم يتجاوب معه تحديد آخر يرتبط بالفن، ويتمثل في الملامح والسمات الفنية، التي رسخت على أيديهم في كتابتهم الشعرية، حتي أصبحت سمة من سماتهم التي يعرفون بها. إذا وقفنا عند التحديد الخاص بالفترة الزمنية، التي يبدأ فيها شعراء أو روائيون ينتمون إلى جيل معين النشر، فإننا سنجد بالرغم من أهمية هذا التحديد أن هذا التحديد قد يكون عامل ضعف، لأنه بمرور الزمن، وبعد انتقالنا إلى الألفية الثالثة، لم يتحدد لدينا إلا جيل الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ومرت فترة الثمانينيات والتسعينيات دون أن تتشكل لدينا ملامح جيل كامل النضج في مناخنا الثقافي. أما التحديد الأخير وهو الفن، فربما كان مدخلا مهما للتأثير على هذا المصطلح، والذهاب به إلى زوايا النسيان، فالسمات الفنية لا تولد ولا تتأسس في المدى الزمني البسيط الذي يشكله العقد. فالسمات الفنية بحاجة إلى مدى زمني واسع، بالإضافة إلى أن هذه السمات حين تتشكل في إبداع جيل معين، لا تتشكل على نحو صارم، بحيث إذا تجلت في إبداع جيل أدبي نجدها غائبة لدى الآخر، ولنأخذ نموذجا على ذلك، فمن الشائع والمقرر لدى الباحثين أن توجه الجيل الأول (السياب وعبد الصبور والبياتي وآخرين) كان مرتبطا باستلهام التراث والأسطورة الغربيين، في حين أن الجيل الثاني الستينيات (أمل دنقل ومحمود درويش وسعدي يوسف وآخرين) كان يتجه نحو استلهام التراث والأسطورة العربيين، وهذه الفكرة المنطلقة من استقراء خاص لسمة فنية، بعد التأمل والفحص الدقيق، نرى أنها ليست صحيحة تماما، خاصة بعد قراءة شعر هولاء الشعراء من جيلي الخمسينيات والستينيات. صحيح أن الجيل الأول كان يغلب عليه التوجه نحو العالمية المنطلق حتما من إيمان خاص يرتبط بكون الأدب ينبت في تربة إنسانية، ولكن يظل وجود الأسطورة والتراث العربيين واضحا في إبداع أفراده. وفي إبداع الجيل الثاني أيضا سنجد أنه بالرغم من توجهه العربي، للبحث عن نموذجه الخاص، لكي يخرجه من أزمته، التي كان يعيش فيها أفراده في لحظة تكوينه في أحيان ليست قليلة يتجه نحو التراث والأسطورة الغربيين. ومن خلال المناقشة السابقة، يتجلى أن بعض المصطلحات أو المسلّمات الأدبية، في حاجة دائمة إلى مراجعة، حتي نتبين فيها درجة النبض والحياة. إن المناقشة السابقة لمصطلح الجيل الأدبي، انطلقت في الأساس من خلال تحديداته المرتبطة بالزمن والفن، ولكن هذا المصطلح ربما تتجاوب بعض المشاكل الأخرى فيما بينها لتقويضه من الخارج، وتجعل العناية به, أو الاتكاء عليه لتناول الظاهرة الفنية منحى لا مبررله, أو على الأقل تجعل الشك يحوم حول جدواه. ربما كانت أهم هذه المشاكل ترتبط بمقولة الشاعر الفرد، الذي لا يشبه من خلال نصه الشعري أحدا من سابقيه أو مجايليه أو ممن يلحقون به، فمقولة أو مصطلح الجيل الأدبي تحاول أن تجمع مجموعة شعراء أو روائيين، تحت مظلة واحدة، لكي يصل الباحث من خلال هذا التوجه، ومن خلال استخدام هذه المقولة إلى سمات عامة، ولكن هذه السمات العامة بالضرورة ستقضي على ملامح التميز والتفرد. فالشاعر الشاعر الحقيقي لا ينتمي في التحديد الأخير إلا إلى نفسه وإلى نصه الشعري. ومن ثم فعلى الناقد أن يبتعد عن هذا النسق التجميعي، ويبحث عن الفردية والتميز، فالطبيب الذي يصف للمرضى على اختلاف شكواهم دواء واحدا يؤدي بعمله إلى موت معظمهم. وثمة مشكلة أخرى قد تكونت معه، وقت ظهوره، ونمت معه لحظة سيادته مصطلحا له حضور فاعل في حياتنا الثقافية، فقد تجاوب معه ميلاد ما يمكن أن نسميه (الشللية)، وهذه الشللية انطلاقا من الاهتمام الخاص بأفرادها، أصلت في حياتنا الثقافية لوجود نوع من القصور في رؤية الآخر المباين إبداعيا، وعدم الاهتمام بإنتاجه الفني، بل تعدى هذا التوجه في أغلب الأحيان إلى نفي الآخر, وإلى التقليل من قيمة مشروعه الإبداعي. ففي الفترة التي وجدت فيها الأجيال الشعرية أو الروائية التي أشرنا إليها سابقا، وجدت هناك قمم شعرية وروائية، ولكنها ظلت بعيدة عن الصورة الواضحة لابتعاد هذه القمم عن مظلة الجيل، لأن هذه الشللية الإبداعية تكون في إطارها شللية نقدية، ظلت تبحث عن المسوغات لهذا التأسيس النظري لفكرة الأجيال، ولكنها كانت في الحقيقة تبحث عن وجودها من خلال هذا التوجه النقدي. وهنا يجب أن نشير إلى أن استخدام هذا المصطلح قد يدفع ببعض الشعراء والروائيين إلى زاوية النسيان، حتي لو انتموا إبداعيا إلى الأجيال السابقة. وهناك مشكلة أخيرة تتعلق بهذا المصطلح، وربما تكون مهمة في التأثير على شرعية وجوده، وهي جزئية التباين بين زمن الإبداع وزمن النشر، فقد يبدع شاعر معين نصه الشعري في إطار سياق حضاري معين، ولكنه لا ينشره إلا في إطار زمني لاحق. كل هذه الإشكاليات التي تتعلق بالمصطلح، سواء كانت ترتبط بآليات تحديده، أو بجزئيات خارجية تكونت في إطاره، ربما تشير مستقبلا إلى الشك في شرعية وجوده، وجدوى نموه مصطلحا فاعلا في سياقنا الثقافي والعلمي، وتدفعنا إلى التحول إلى دراسة الأدب بوصفه صفة للتميز والتفرد، وإلى دراسة الشعراء بوصفهم حالات متفردة

1 comment:

Mohamed Al-Ashry said...

..
مبروك يا دكتور عادل
أيها الناقد الجميل
على افتتاح المدونة
..
أحييك
..