حوار مع الناقد المصري الدكتور عادل ضرغام
محمد القذافي مسعود
05/12/2008
قراءات: 60
حوار : محمد مصطفى حليمة *
محمد القذافي مسعود **
بطاقة :
الدكتور: عادل ضرغام أستاذ النقد الأدبي جامعة الملك خالد أبها- السعودية .. مواليد المنوفية عام 1968 المؤهلات العلمية: 1 - ليسانس دار العلوم جامعة القاهرة (جيد جدا) 1989 2 - ماجستير (توظيف اللون في شعر التفعيلة لدي شعراء الستينيات في مصر) بتقدير ممتاز 1995 3 - دكتوراه (شعر الأبيوردي - دراسة نصية) بمرتبة الشرف الأولي 1999 4 -أستاذ مساعد الأدب العربي كلية دار العلوم - الفيوم 2004 الإبداع: العشاق شعر 1997 الأبحاث: 1 - تطور الشعرية 2001 2 -السؤال الميتافيزيقي 2002 3 - سلطة النموذج 2003 4 - التناص بين الامتصاص والحوار 2004 5 -الوعي الذاتي بالآخر 2005 6 - جماليات التقرير في القصيدة الحديثة 2006 7 -الشعرية السعودية المعاصرة 2006 8 - تحولات الضمير السردي في سيفيات المتنبي 2007
في ضوء قراءتك للممارسة النقدية العربية كيف ترى الدرس النقدي العربي الآن وإلى أين وصلت أكاديمياتنا العربية ونقادنا العرب وبما يفسر تعطل تواتر وتراكم النقد العربي بشكل منهجي في المشهد الثقافي العربي وما هو موقع الناقد العربي الآن من هذا المشهد وماذا عن الإشكالات العميقة التي يعيشها النقد العربي المعاصر وسبل حلولها برأيك ؟
هذا السؤال يطرح قضايا مهمة ,مرتبطة في الأساس بأنواع الخطابات النقدية الموجودة في الإطار الثقافي الآني,فهناك خطاب أكاديمي فقد بريقه تحت سيل المجاملات والمشاكل الإدارية العديدة ,إلا في حالات قليلة ونادرة ,يستطيع هذا الخطاب أن يكون مؤثرا وموجها ,بالإضافة إلي خطاب نقدي آخر,قد يكون انطلق من الخطاب السابق ,ولكنه لم يعد يحفل به ,ولم يعد متأثرا بسلبياته ,أو تابوهاته القاتلة ,بل يستجيب هذا الخطاب في تجليه لسياق حضاري محلي , ولسياق عالمي ,مولدا من السياقين بؤرة للتحرك والفاعلية المؤثرة ,حتى لو كانت هذه الفاعلية وهذا التأثير داخل نطاق نخبوي ,وأصدق مثال علي هذا الإطار يأتي واضحا في سياق مشروع بعض الأسماء العربية ,وأهمهم جابر عصفور ,ففي غضون السنوات الأخيرة نجد لديه مشروعا خاصا , يتسم بالتنوير ,من خلال الجدل مع الأفكار البالية المؤسسة , وقد أفاد هذا الجدل في تحريك زاوية ووجهات النظر في معالجة القضايا بعيدا عن التحديد الصارم .
وهناك في الإطار ذاته الخطاب الصحفي المرتبط بالمتابعة الصحفية , وهو خطاب مهم إشهاري في الأساس ,شريطة أن يتخلص من سيل المجاملات والانتماءات . وحتى نكون منصفين ,يجب أن نشير إلي خطاب أخير حتى لا تكون الصورة مظلمة ,إلى أن هناك خطابا ينتمي إلي الخطاب الأكاديمي ,ولكنه يتعاظم على معوقات هذا الخطاب من خلال العمل الصامت الفردي ,منهم أساتذتي الذين أدين لهم بالفضل محمد فتوح أحمد وعبد الحميد شيحة وصلاح رزق ومحمد حماسة عبد اللطيف ,فهم أساتذة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى , بإيمانهم العميق بالعمل الجاد .
هذه الخطابات من خلال تجليها المرصود تشير إلى أزمة حقيقية ,ولكنها ليست أزمة مرتبطة بالنقد فقط ,وإنما هي أزمة ثقافية , فنحن لم نصل إلى فهم حقيقي لقيمة الثقافة ودورها , فأنت تستطيع الآن أن تجد أستاذا للأدب والنقد , ولكنه ليس مثقفا , وليس مهموما بالثقافة, بل هو مهموم بالحصول علي الدرجة العلمية , ومن ثم يجب البحث عن آليات فاعلة لاستمرار عملية البحث .
وثمة سبب آخر جوهري يرتبط بمساحة رؤيتي للآخر ورؤية الآخر لي ,ففي الفترة الأخيرة أصبح لدينا يقين بقيمة ما عندنا , حتى دون أن نعرضه علي الآخر , ومن ثم أصبح مهما التخلي عن هذا اليقين الحاد , الذي يضخم الذات بما لديها , دون رؤية حقيقية قائمة علي النقد الفاعل .
يصف البعض المشهد الثقافي العربي المعاصر بأنه مشهد أزمة ربما يعرضها للتماهي مع الآخر أو للاندثار حسب ما يراه هذا الرأي فما رأيك ؟
المشهد الثقافي العربي يمر بأزمة فعلا , ولكنها ليست أزمة ثقافية فقط ,هي أزمة اقتصادية في الأساس ,فهل نستطيع أن نطلب من الفرد العادي أن يهتم بالثقافة , ونطالبه بمطالعة الرواية والشعر والقصة وهو لا يملك ثمن الخبز , وهذه جزئية مهمة ,فأزمة الثقافة مرهونة بالسياق العام , وهو سياق مخز إلي حد بعيد , أزمة تنطلق من وضعية الثقافة في مجتمعاتنا العربية , ودورها في تشكيل هاجس ملح للفرد .خذ مثلا الثقافة المصرية التي كان لها دور رائد ,فهي للأسف لم يعد لها هذا الدور الفاعل, فقد أصبح يتواري بالتدريج ,وهذا التواري له أسباب عديدة ,منها سيادة الثقافة الاتباعية التي تعرقل أي اجتهاد , بالإضافة إلي وجود أصوات ذات سلطة مانعة ممعنة في اليقين بما لديها , وكأن أي حركة جديدة تهدم مشروعية وجودها وتزلزل هذا الوجود .
أما جزئية تعرض الثقافة العربية للتلاشي تحت تأثير هذا الضعف والوهن ,فربما جاءت هذه الجزئية من التفريق في الدراسات الغربية بين ثقافة نخبوية (غربية ) وثقافة هامشية (عربية ), وهذا تصور نظري في الأساس , يضعنا لحظة الإيمان به في مرتبة أدني نحن موجودون فيها فعلا .ولكن بالرغم من مشروعية هذا التصور ووجوده في تنظير الغربيين وبعض الكتاب العرب , إلا أننا يمكننا العمل علي تفادي هذا المحو أو محاولة المحو , ليس بالتدثر بما لدينا , وإنما بمقاربته مقاربة جادة تجعله منطلقا جاهزا للبناء , بالإضافة إلي معاينة ما لدي الآخر , والاستفادة منه علي نحو يتيح لنا الاستمرار في إطار خصوصية ثقافية , لا تنفصل عن العالم , ولا تسير في ركابه أو ذيله , وإذا عدنا إلي فترة من فترات القوة في تراثنا , فلن نجد ثقافتنا منزوية أو متدثرة بذاتها , وإنما مرتبطة بما لدى الآخر. ففي السياق العالمي الآن لا يمكن تحديد الأنا إلا من خلال سلسلة من التباينات والتشابهات مع الآخر .
ما مدى نفاذ الفكر الأصولي وعمليات التغريب وأثريهما في تطوير وانتشار الرؤى النقدية العربية ؟
أنت في هذا السؤال تشير إلى اتجاهين فاعلين في تهميش وتخريب النقد العربي بصفة عامة , فالفكر الأصولي المملوء باليقين الذاتي بما لدي الناقد العربي من آليات مؤسسة , وقف في منطقة قاحلة ودائرة مغلقة , فهذه الآليات لكي تكسب مشروعيتها تحتاج دائما إلي تفعيل أو تخصيب يغير من طبيعتها , لكي تكون ملائمة وفاعلة في رصد المتغيرات العديدة التي تلاحقنا كل يوم , بل كل لحظة , وهذا التوجه المملوء بالتغيير لم يكن واردا في ذهن أصحاب هذا الاتجاه , بل ربط أصحاب هذا الاتجاه -لانطلاقهم من سلطة قامعة -هذا التوجه بالدين , وكأن الدين يدعوهم إلى الوقوف عند أجداث الأسلاف دون إضافة توجهات جديدة تتطلبها المرحلة المعيشة المعاصرة .
أما الاتجاه الثاني وهو يأخذ الطرف المقابل ,فإنه لا يري أن هناك تغيرا قد يوجد إلا بتدمير الأسس والمنطلقات الأساسية , التي ينطلق منها نقدنا العربي , وذلك من خلال جلب الموضات أو النظريات الغربية لتطبيقها علي أدبنا العربي .فإذا تأملت التطبيق وجدته تحول إلى أرقام ورسوم ومعادلات , مع أن الفكرة بسيطة إلي حد بعيد ,ويمكن التعبير عنها في جملة واحدة بلغة عربية فصيحة .
ما الحل إذن ؟هل ندعو إلى الوسطية التوفيق بين الاتجاهين ؟لا إننا نؤمن إيماننا كاملا بأن المنحازين هم الذين يصنعون تاريخ الشعوب والأمم,وهذا الإيمان يجعلنا نرحب بهذا التعدد, ونثمن مشروعية وجوده, شريطة أن يطور أصحاب كل اتجاه أدواتهم ,بحيث تكون مناسبة لمواجهة الظاهرة , فأنا لا أستطيع أن أدرس سعدي يوسف أو عفيفي مطر ,أو أدونيس أو أمجد ناصر منطلقا من تحديدات السكاكي,والعيب ليس في تحديدات السكاكي وآلياته , وإنما في قدرة الناقد في تفعيل وتخصيب هذه الآليات , التي كانت فاعلة في زمانها , وتحتاج إلي إعادة صياغة وفق متطلبات اللحظة الراهنة .
وكذلك في الاتجاه التغريبي , لا يمكن أن أحيل العمل النقدي إلي أرقام ورسوم وأسهم , وأسمي ذلك نقدا , النقد في الأساس جسر بين النص والقارئ , ولغة الكتابة فيه أهم سماته وميزاته .ويبدو أن بعض النقاد يرى أن الارتباط بالنصوص ومقاربتها يعد عملا تابعا, فالتغريب في بعض الأحيان يأتي من محاولة التعاظم على دور الناقد , الذي يأتي بعد دور الشاعر , فحين يحاول الناقد التعاظم ويحاول أن يكون سابقا يتولد هذا التغريب , الناقد الذي يأتي قبل الشاعر كان مقبولا في مرحلة سابقة علي عهد العقاد ومندور وطه حسين , ولكن في اللحظة الآنية , وفي ظل التعقيد , يتحتم الدور التفسيري التابع , الذي يحدد مكان الناقد بعد وليس قبل النص .وهنا يمكن أن أشير إلي نموذجين مهمين , وهما أدبية النص لصلاح رزق ,فقد عمل في كتابه المهم علي تفعيل المقولات القديمة بشكل لافت يجعلها دائمة الحضور في سياقنا المعاصر ,وكذلك كتابات محمد عبد المطلب ,فهي في معظمها تحاول إعادة قراءة الماضي وفق لحظة ومنطلقات آنية .
الإعلام والمثقف العربيان هل هي علاقة تسير على قدم واحدة وهل تدار هذه العلاقة في النور ؟ وما هي مقترحاتك لتنمية وتفعيل دور هذه العلاقة تجاه خصوصيتنا وقضايانا العربيتين ؟لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال إجابة شافية وحيادية ,لأني في الفترة الآنية , أري القيمة الكبرى للمثقف تنبع في الأساس من الانعزال , عن الإعلام بأشكاله المختلفة , ربما كنت متأثرا في ذلك السياق بنماذج عديدة كان لها دورها الفاعل والريادي في حياتنا الثقافية , بالرغم من كونهم بعيدين عن الإعلام بشكل تام , مثل جمال حمدان والطاهر أحمد مكي , ومحمود الربيعي .
يؤيد هذا التوجه أن النماذج الواضحة التي تطل علينا صباح مساء مع وسائل الإعلام كأنها ماء الصنبور ,تشعرك بالضعف والوهن ,مما ولد لدي يقينا أقرب إلي الوضوح , يتمثل هذا اليقين , في أن المثقف الملمع إعلاميا نموذج ضعيف أو مؤدلج ,يحاول أن يستر هزاله وتهافته بهذا الظهور المتكرر . إن تفعيل هذه العلاقة يحتاج إلي وضع الإعلامي المناسب في مكانه المناسب أولا ,وإذا حدث هذا - وأشعر بصعوبة تحقيق ذلك إلا في حالات نادرة - فإن منظور الاختيار سوف يتغير, وكذلك في الصفحات الأدبية في الصحف , فإنني أشعر أن ما تقدمه بعض الصفحات الأدبية , فيها نوع من الصفقات والحسابات المدروسة جيدا .يجب -أيضا -أن تكون الثقافة ضمن منطلقات الأجهزة الحكومية في كل بلد عربي,مثلها مثل أي شيء حيوي, وهذا لا يتحقق في إطار رسمي فقط,بل يجب أن يصاحب ذلك توجه علي مستوى الفرد .
في رأيك من هو الشريك الحقيقي للمثقف العربي اليوم ؟
لم أفهم - بالضبط-المقصود من السؤال ,ولكن أن أردت السؤال عن جزئيات فاعلة في مساندة المثقف , فإن هذه الجزئيات في ثقافتنا العربية ما زال دورها محدودا , وتحتاج إلي تفعيل .خذ مثلا جزئية الجوائز الحكومية , فإننا بعد إعلان هذه الجوائز نسمع عن تمتمات,تشير إلي طريقة ومشروعية الاختيار .وتوجه بعض أصحاب الأموال في طرح جوائز تحمل أسماء هؤلاء الأشخاص ,فإن هذه الجوائز -خاصة مع بعض رجال الأعمال المصريين-ما زال يشوبها الشك والريبة .خذ- أيضا -المؤسسات الثقافية ,التي ينتمي إليها المثقف ,فبعض هذه المؤسسات يصبح دورها فاعلا , إن وجد ما يمكن أن نسميه تطابقا في الأفكار ,وزاوية الرؤية ووجهة النظر , ولكن هذه المؤسسات حين نغربل ما تقوم به ,يصبح محدودا جدا , لأنها -انطلاقا من نظرتها الشمولية - تنظر إلى المثقفين نظرة واحدة , ولا تفرق بين الغث والثمين .
أما إذا كنت تقصد الشراكة مع المثقف الأجنبي , في إطار اتفاقيات المؤسسة الثقافية ,فهي تقوم بدور مقبول , شريطة أن تفعل بشكل حيوي , ولا تصبح إطارا شكليا فقط , وهنا يجب أن نشير إلي أن بوصلة الثقافة العربية في التعامل مع الثقافة الأجنبية كانت فردية في الأساس , وترتبط بقيمة المثقف الذي أوجد هذا الربط .خذ مثلا العقاد أو طه حسين بوصفهما نموذجين , فالأول -ومعه رفاقه- أوجد أرضية حية للثقافة الانجليزية , والثاني -بالاتكاء علي ما قدمه الطهطاوي -شكل أرضية حية وميلا للثقافة الفرنسية, ولكن في الفترة الآنية , ومع نمو المشروع القومي للترجمة بوصفه مؤسسة منفصلة عن المجلس الأعلى للثقافة , فأظن أن هذا الدور لم يعد فرديا بشكل كامل , وإنما أصبح هناك ما يمكن أن نسميه سياسة ثقافية تحدد إلي حد ما طبيعة التوجه , مع الانفتاح في الوقت ذاته على كل الثقافات .
الشراكة الحقيقية بالنسبة للمثقف العربي مرتبطة -في الأساس- بتوفير المناخ المحفز علي الإبداع , وهذا المناخ ليس سياسيا فقط , وليس اجتماعيا فقط , وإنما يتشكل هذا المناخ وفق سياق خاص , يعيد للمثقف دوره الريادي المفقود .
مالذي ينقص المثقف العربي لتحقيق طموحاته ؟
أهم شيء -بكل صدق -ينقص المثقف العربي , يتمثل في أن دوره في الفترة الآنية غير محسوس , سواء على المستوى الرسمي أوالشعبي ,ففي فترات سابقة كان للمثقف -المثقف الرائد- دور واضح ,وكانت كلمة منه سلبية أو إيجابية , كفيلة بخفض أو رفع قيمة روائي أو شاعر أو كاتب قصة , لأننا كعرب في فترة سابقة كنا نجيد فن صناعة المثقف الرائد , أما الآن فإننا - لأسباب عديدة -لم نعد نجيد هذا الفن , وقس هذا التوجه في كل الأمور الخاصة بالفن والثقافة .
ما ينقص المثقف -أيضا - جزئية التواصل , وفقدان هذه الجزئية المهمة , لا يرتبط كما يردد البعض بالمثقف أو المبدع فقط , وإنما يرتبط بسياق عام لم يعد يعطي الثقافة اهتماما خاصا , إن الصفحات الثقافية علي سبيل المثال في صحفنا العربية هي أول الصفحات التي تلغى لصالح الرياضة والإعلانات التي تدر دخلا ...فهل تأتي فترة -كما كان موجودا سابقا - ونجد قصيدة لشاعر أو قصة لقاص أو مقالة نقدية لناقد متصدرة الصفحة الأولى .ما ينقص المثقف في سياقنا الآني , العمل الجماعي الذي يشكل الرؤى والتصورات , التي يمكن أن تكون وثيقة الصلة بتلك المرحلة , فالمثقفون العرب يعملون وكأنهم جزر منفصلة , فإذا التقت هذه الجزر , فإننا نجد الشد والجذب واضحين . خذ مثلا السجال الدائر بين (الجابري ) و(طرابيشي ),فهذا السجال - بالرغم من كونه صحيا ومفيدا -لم يستثمر نقاط الاتفاق , ولم يقارب نقاط الاختلاف مقاربة صحيحة , والمتأمل لهذا السجال يدرك أن البداية كانت تفصح عن نقاط اتفاق كبيرة , ولكن بفعل السجال غير البناء , تحول إلى عمل من أعمال النقض والمحو.
كيف تجد حضور الكلمة المكتوبة اليوم أمام الصورة ألم يسرق ( نص الصورة ) الأضواء من ( النص الثقافي المكتوب ) ؟
إذا كان السؤال عن تراجع الكلمة المكتوبة بالمقارنة بالصورة, وأن أدب المسلسلات والأفلام أصبح مسيطرا مقارنة بالمكتوب ,فهذا صحيح إلي حد بعيد ,ولكن كل هذا يعود إلى نص جيد مكتوب في الأساس , فالورق هو الفيصل , فوحيد حامد أو أسامة أنور عكاشة , لا يمكن أن تعتبرهما كاتبين للسيناريو فقط , فهما مبدعان قبل رؤية أعمالهما علي الشاشة , ولهما وجهة نظر في الحياة , ولهما قدرة علي استشراف المستقبل من خلال تحليل الواقع , ومن ثم فالكتابة -بالرغم من طغيان قيمة الصورة -تظل مهمة , لأنها الفعل المحرك لكل الأفعال التالية .أما إذا كنت تقصد القول أن فعل الإبصار والمشاهدة الساكنة , قد حل محل القراءة الفاعلة , فهذا أيضا به نوع من المشروعية , وقد استمعنا مؤخرا في ملتقى النص بجدة , عن جنس أدبي يعنى بالسيرة الذاتية المرئية للباحثة أمل التميمي ,وهذا يشير إلي أن عصر ما بعد الحداثة قد أعطى قيمة للصورة على حساب النص المقروء , لأن هناك توجها ما , يتعامل مع الصورة على أنها نص كامل الأركان , فتحليل الصورة , خاصة الصورة المتجذرة في السياق السياسي قد يكون فاعلا في رؤية الفعل ورد الفعل , بل في معرفة المواقف المطروحة المتعارضة , ومعرفة النتائج .
المثقف في العالم العربي أليس مساهما فيما يعيش فيه من حالة تهميش ؟
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نحمل المثقف العربي , بتوجهاته المختلفة مسئولية اختفاء دوره , وتهميشه , بل على العكس من ذلك , فإن هذا التهميش يعود إلي حد بعيد إلي السياق العام الذي يتجذر فيه المثقف العربي , الذي تتكاتف فيه ظروف غير مواتية ومحبطة , التي تمنع قول الرأي المباين . والمثقف العربي في إطار هذا السياق العام يوجد بين مطرقتين : مطرقة المداهنة والتقية , وهي مطرقة تفقده منطلقاته الأساسية في التفكير والإبداع , وتفقده صدقه الحيوي ,وهناك على الطرف المقابل مطرقة الانعزال والتهميش , والانزواء والعمل بعيدا عن المؤسسات الموجودة بفعل هذا السياق الخانق, ولكن مطرقة الانعزال والانطواء والتهميش أقل ضررا , لأنها لا تقضي على سلطة وجوده , ولا تغير منطلقاته الأساسية , هي فقط تؤثر على دوره التواصلي الفاعل .
إن دور المثقف في تهميش دوره قد يكون مرتبطا به بنسبة ضئيلة جدا , بكونه لم يستطع أن يجعل هذه الظروف عامل دفع للأمام , وكثير من المثقفين تعاظموا على هذا السياق , بردود أفعال مختلفة , مثل الهجرة , أو بناء أنساق فكرية شديدة الخصوصية بهم , ومن ثم تلاشت أسباب الصدام مع هذه السياقات .
ما هو تابو المرحلة في نظرك ؟
من المعروف بمرور الأزمنة أن التابو شكل بالتدريج , من خلال أصناف ثلاثة , وهي الجنس والدين والسياسة ,وهذه التابوهات الثلاث تكونت بالتدريج بفعل الأشكال الإبداعية المتوالدة تدريجيا .
إن السياق العام يشير إلى أن مقاربة التابو الديني أصبحت نسقا فاعلا في اللحظة الآنية , وخاصة بعد أن أصبح الهجوم على الإسلام عمل من لا عمل له , ومنطلقا لكل خال من الموهبة , وكأن الهجوم على الإسلام -نظرا لردود الأفعال المتباينة - يضع صاحبه موضع شهرة واهتمام غير عاديين , والدليل على ذلك الفيلم الهولندي , الذي أساء للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم , فالفيلم بمقياس الجودة الفنية , كما أشار إلى ذلك الهولنديون أنفسهم ضعيف ورديء ولا قيمة له ,ومن ثم فهي خطوة من صاحبه , لكي يكون في دائرة الاهتمام . فالتابو الديني في المرحلة الآنية والمقبلة سيكون موضوعا في بؤرة التركيز , خاصة في ظل صراع الحضارات والإثنيات العرقية , التي أخذت حيزا فاعلا في تشكيل ورؤية الآخر , ولكن هذا التوجه لا يلغي استمرارية وجود الأصناف الأخرى , وإن كان صليلها سيقل بالتدريج .
محمد القذافي مسعود
05/12/2008
قراءات: 60
حوار : محمد مصطفى حليمة *
محمد القذافي مسعود **
بطاقة :
الدكتور: عادل ضرغام أستاذ النقد الأدبي جامعة الملك خالد أبها- السعودية .. مواليد المنوفية عام 1968 المؤهلات العلمية: 1 - ليسانس دار العلوم جامعة القاهرة (جيد جدا) 1989 2 - ماجستير (توظيف اللون في شعر التفعيلة لدي شعراء الستينيات في مصر) بتقدير ممتاز 1995 3 - دكتوراه (شعر الأبيوردي - دراسة نصية) بمرتبة الشرف الأولي 1999 4 -أستاذ مساعد الأدب العربي كلية دار العلوم - الفيوم 2004 الإبداع: العشاق شعر 1997 الأبحاث: 1 - تطور الشعرية 2001 2 -السؤال الميتافيزيقي 2002 3 - سلطة النموذج 2003 4 - التناص بين الامتصاص والحوار 2004 5 -الوعي الذاتي بالآخر 2005 6 - جماليات التقرير في القصيدة الحديثة 2006 7 -الشعرية السعودية المعاصرة 2006 8 - تحولات الضمير السردي في سيفيات المتنبي 2007
في ضوء قراءتك للممارسة النقدية العربية كيف ترى الدرس النقدي العربي الآن وإلى أين وصلت أكاديمياتنا العربية ونقادنا العرب وبما يفسر تعطل تواتر وتراكم النقد العربي بشكل منهجي في المشهد الثقافي العربي وما هو موقع الناقد العربي الآن من هذا المشهد وماذا عن الإشكالات العميقة التي يعيشها النقد العربي المعاصر وسبل حلولها برأيك ؟
هذا السؤال يطرح قضايا مهمة ,مرتبطة في الأساس بأنواع الخطابات النقدية الموجودة في الإطار الثقافي الآني,فهناك خطاب أكاديمي فقد بريقه تحت سيل المجاملات والمشاكل الإدارية العديدة ,إلا في حالات قليلة ونادرة ,يستطيع هذا الخطاب أن يكون مؤثرا وموجها ,بالإضافة إلي خطاب نقدي آخر,قد يكون انطلق من الخطاب السابق ,ولكنه لم يعد يحفل به ,ولم يعد متأثرا بسلبياته ,أو تابوهاته القاتلة ,بل يستجيب هذا الخطاب في تجليه لسياق حضاري محلي , ولسياق عالمي ,مولدا من السياقين بؤرة للتحرك والفاعلية المؤثرة ,حتى لو كانت هذه الفاعلية وهذا التأثير داخل نطاق نخبوي ,وأصدق مثال علي هذا الإطار يأتي واضحا في سياق مشروع بعض الأسماء العربية ,وأهمهم جابر عصفور ,ففي غضون السنوات الأخيرة نجد لديه مشروعا خاصا , يتسم بالتنوير ,من خلال الجدل مع الأفكار البالية المؤسسة , وقد أفاد هذا الجدل في تحريك زاوية ووجهات النظر في معالجة القضايا بعيدا عن التحديد الصارم .
وهناك في الإطار ذاته الخطاب الصحفي المرتبط بالمتابعة الصحفية , وهو خطاب مهم إشهاري في الأساس ,شريطة أن يتخلص من سيل المجاملات والانتماءات . وحتى نكون منصفين ,يجب أن نشير إلي خطاب أخير حتى لا تكون الصورة مظلمة ,إلى أن هناك خطابا ينتمي إلي الخطاب الأكاديمي ,ولكنه يتعاظم على معوقات هذا الخطاب من خلال العمل الصامت الفردي ,منهم أساتذتي الذين أدين لهم بالفضل محمد فتوح أحمد وعبد الحميد شيحة وصلاح رزق ومحمد حماسة عبد اللطيف ,فهم أساتذة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى , بإيمانهم العميق بالعمل الجاد .
هذه الخطابات من خلال تجليها المرصود تشير إلى أزمة حقيقية ,ولكنها ليست أزمة مرتبطة بالنقد فقط ,وإنما هي أزمة ثقافية , فنحن لم نصل إلى فهم حقيقي لقيمة الثقافة ودورها , فأنت تستطيع الآن أن تجد أستاذا للأدب والنقد , ولكنه ليس مثقفا , وليس مهموما بالثقافة, بل هو مهموم بالحصول علي الدرجة العلمية , ومن ثم يجب البحث عن آليات فاعلة لاستمرار عملية البحث .
وثمة سبب آخر جوهري يرتبط بمساحة رؤيتي للآخر ورؤية الآخر لي ,ففي الفترة الأخيرة أصبح لدينا يقين بقيمة ما عندنا , حتى دون أن نعرضه علي الآخر , ومن ثم أصبح مهما التخلي عن هذا اليقين الحاد , الذي يضخم الذات بما لديها , دون رؤية حقيقية قائمة علي النقد الفاعل .
يصف البعض المشهد الثقافي العربي المعاصر بأنه مشهد أزمة ربما يعرضها للتماهي مع الآخر أو للاندثار حسب ما يراه هذا الرأي فما رأيك ؟
المشهد الثقافي العربي يمر بأزمة فعلا , ولكنها ليست أزمة ثقافية فقط ,هي أزمة اقتصادية في الأساس ,فهل نستطيع أن نطلب من الفرد العادي أن يهتم بالثقافة , ونطالبه بمطالعة الرواية والشعر والقصة وهو لا يملك ثمن الخبز , وهذه جزئية مهمة ,فأزمة الثقافة مرهونة بالسياق العام , وهو سياق مخز إلي حد بعيد , أزمة تنطلق من وضعية الثقافة في مجتمعاتنا العربية , ودورها في تشكيل هاجس ملح للفرد .خذ مثلا الثقافة المصرية التي كان لها دور رائد ,فهي للأسف لم يعد لها هذا الدور الفاعل, فقد أصبح يتواري بالتدريج ,وهذا التواري له أسباب عديدة ,منها سيادة الثقافة الاتباعية التي تعرقل أي اجتهاد , بالإضافة إلي وجود أصوات ذات سلطة مانعة ممعنة في اليقين بما لديها , وكأن أي حركة جديدة تهدم مشروعية وجودها وتزلزل هذا الوجود .
أما جزئية تعرض الثقافة العربية للتلاشي تحت تأثير هذا الضعف والوهن ,فربما جاءت هذه الجزئية من التفريق في الدراسات الغربية بين ثقافة نخبوية (غربية ) وثقافة هامشية (عربية ), وهذا تصور نظري في الأساس , يضعنا لحظة الإيمان به في مرتبة أدني نحن موجودون فيها فعلا .ولكن بالرغم من مشروعية هذا التصور ووجوده في تنظير الغربيين وبعض الكتاب العرب , إلا أننا يمكننا العمل علي تفادي هذا المحو أو محاولة المحو , ليس بالتدثر بما لدينا , وإنما بمقاربته مقاربة جادة تجعله منطلقا جاهزا للبناء , بالإضافة إلي معاينة ما لدي الآخر , والاستفادة منه علي نحو يتيح لنا الاستمرار في إطار خصوصية ثقافية , لا تنفصل عن العالم , ولا تسير في ركابه أو ذيله , وإذا عدنا إلي فترة من فترات القوة في تراثنا , فلن نجد ثقافتنا منزوية أو متدثرة بذاتها , وإنما مرتبطة بما لدى الآخر. ففي السياق العالمي الآن لا يمكن تحديد الأنا إلا من خلال سلسلة من التباينات والتشابهات مع الآخر .
ما مدى نفاذ الفكر الأصولي وعمليات التغريب وأثريهما في تطوير وانتشار الرؤى النقدية العربية ؟
أنت في هذا السؤال تشير إلى اتجاهين فاعلين في تهميش وتخريب النقد العربي بصفة عامة , فالفكر الأصولي المملوء باليقين الذاتي بما لدي الناقد العربي من آليات مؤسسة , وقف في منطقة قاحلة ودائرة مغلقة , فهذه الآليات لكي تكسب مشروعيتها تحتاج دائما إلي تفعيل أو تخصيب يغير من طبيعتها , لكي تكون ملائمة وفاعلة في رصد المتغيرات العديدة التي تلاحقنا كل يوم , بل كل لحظة , وهذا التوجه المملوء بالتغيير لم يكن واردا في ذهن أصحاب هذا الاتجاه , بل ربط أصحاب هذا الاتجاه -لانطلاقهم من سلطة قامعة -هذا التوجه بالدين , وكأن الدين يدعوهم إلى الوقوف عند أجداث الأسلاف دون إضافة توجهات جديدة تتطلبها المرحلة المعيشة المعاصرة .
أما الاتجاه الثاني وهو يأخذ الطرف المقابل ,فإنه لا يري أن هناك تغيرا قد يوجد إلا بتدمير الأسس والمنطلقات الأساسية , التي ينطلق منها نقدنا العربي , وذلك من خلال جلب الموضات أو النظريات الغربية لتطبيقها علي أدبنا العربي .فإذا تأملت التطبيق وجدته تحول إلى أرقام ورسوم ومعادلات , مع أن الفكرة بسيطة إلي حد بعيد ,ويمكن التعبير عنها في جملة واحدة بلغة عربية فصيحة .
ما الحل إذن ؟هل ندعو إلى الوسطية التوفيق بين الاتجاهين ؟لا إننا نؤمن إيماننا كاملا بأن المنحازين هم الذين يصنعون تاريخ الشعوب والأمم,وهذا الإيمان يجعلنا نرحب بهذا التعدد, ونثمن مشروعية وجوده, شريطة أن يطور أصحاب كل اتجاه أدواتهم ,بحيث تكون مناسبة لمواجهة الظاهرة , فأنا لا أستطيع أن أدرس سعدي يوسف أو عفيفي مطر ,أو أدونيس أو أمجد ناصر منطلقا من تحديدات السكاكي,والعيب ليس في تحديدات السكاكي وآلياته , وإنما في قدرة الناقد في تفعيل وتخصيب هذه الآليات , التي كانت فاعلة في زمانها , وتحتاج إلي إعادة صياغة وفق متطلبات اللحظة الراهنة .
وكذلك في الاتجاه التغريبي , لا يمكن أن أحيل العمل النقدي إلي أرقام ورسوم وأسهم , وأسمي ذلك نقدا , النقد في الأساس جسر بين النص والقارئ , ولغة الكتابة فيه أهم سماته وميزاته .ويبدو أن بعض النقاد يرى أن الارتباط بالنصوص ومقاربتها يعد عملا تابعا, فالتغريب في بعض الأحيان يأتي من محاولة التعاظم على دور الناقد , الذي يأتي بعد دور الشاعر , فحين يحاول الناقد التعاظم ويحاول أن يكون سابقا يتولد هذا التغريب , الناقد الذي يأتي قبل الشاعر كان مقبولا في مرحلة سابقة علي عهد العقاد ومندور وطه حسين , ولكن في اللحظة الآنية , وفي ظل التعقيد , يتحتم الدور التفسيري التابع , الذي يحدد مكان الناقد بعد وليس قبل النص .وهنا يمكن أن أشير إلي نموذجين مهمين , وهما أدبية النص لصلاح رزق ,فقد عمل في كتابه المهم علي تفعيل المقولات القديمة بشكل لافت يجعلها دائمة الحضور في سياقنا المعاصر ,وكذلك كتابات محمد عبد المطلب ,فهي في معظمها تحاول إعادة قراءة الماضي وفق لحظة ومنطلقات آنية .
الإعلام والمثقف العربيان هل هي علاقة تسير على قدم واحدة وهل تدار هذه العلاقة في النور ؟ وما هي مقترحاتك لتنمية وتفعيل دور هذه العلاقة تجاه خصوصيتنا وقضايانا العربيتين ؟لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال إجابة شافية وحيادية ,لأني في الفترة الآنية , أري القيمة الكبرى للمثقف تنبع في الأساس من الانعزال , عن الإعلام بأشكاله المختلفة , ربما كنت متأثرا في ذلك السياق بنماذج عديدة كان لها دورها الفاعل والريادي في حياتنا الثقافية , بالرغم من كونهم بعيدين عن الإعلام بشكل تام , مثل جمال حمدان والطاهر أحمد مكي , ومحمود الربيعي .
يؤيد هذا التوجه أن النماذج الواضحة التي تطل علينا صباح مساء مع وسائل الإعلام كأنها ماء الصنبور ,تشعرك بالضعف والوهن ,مما ولد لدي يقينا أقرب إلي الوضوح , يتمثل هذا اليقين , في أن المثقف الملمع إعلاميا نموذج ضعيف أو مؤدلج ,يحاول أن يستر هزاله وتهافته بهذا الظهور المتكرر . إن تفعيل هذه العلاقة يحتاج إلي وضع الإعلامي المناسب في مكانه المناسب أولا ,وإذا حدث هذا - وأشعر بصعوبة تحقيق ذلك إلا في حالات نادرة - فإن منظور الاختيار سوف يتغير, وكذلك في الصفحات الأدبية في الصحف , فإنني أشعر أن ما تقدمه بعض الصفحات الأدبية , فيها نوع من الصفقات والحسابات المدروسة جيدا .يجب -أيضا -أن تكون الثقافة ضمن منطلقات الأجهزة الحكومية في كل بلد عربي,مثلها مثل أي شيء حيوي, وهذا لا يتحقق في إطار رسمي فقط,بل يجب أن يصاحب ذلك توجه علي مستوى الفرد .
في رأيك من هو الشريك الحقيقي للمثقف العربي اليوم ؟
لم أفهم - بالضبط-المقصود من السؤال ,ولكن أن أردت السؤال عن جزئيات فاعلة في مساندة المثقف , فإن هذه الجزئيات في ثقافتنا العربية ما زال دورها محدودا , وتحتاج إلي تفعيل .خذ مثلا جزئية الجوائز الحكومية , فإننا بعد إعلان هذه الجوائز نسمع عن تمتمات,تشير إلي طريقة ومشروعية الاختيار .وتوجه بعض أصحاب الأموال في طرح جوائز تحمل أسماء هؤلاء الأشخاص ,فإن هذه الجوائز -خاصة مع بعض رجال الأعمال المصريين-ما زال يشوبها الشك والريبة .خذ- أيضا -المؤسسات الثقافية ,التي ينتمي إليها المثقف ,فبعض هذه المؤسسات يصبح دورها فاعلا , إن وجد ما يمكن أن نسميه تطابقا في الأفكار ,وزاوية الرؤية ووجهة النظر , ولكن هذه المؤسسات حين نغربل ما تقوم به ,يصبح محدودا جدا , لأنها -انطلاقا من نظرتها الشمولية - تنظر إلى المثقفين نظرة واحدة , ولا تفرق بين الغث والثمين .
أما إذا كنت تقصد الشراكة مع المثقف الأجنبي , في إطار اتفاقيات المؤسسة الثقافية ,فهي تقوم بدور مقبول , شريطة أن تفعل بشكل حيوي , ولا تصبح إطارا شكليا فقط , وهنا يجب أن نشير إلي أن بوصلة الثقافة العربية في التعامل مع الثقافة الأجنبية كانت فردية في الأساس , وترتبط بقيمة المثقف الذي أوجد هذا الربط .خذ مثلا العقاد أو طه حسين بوصفهما نموذجين , فالأول -ومعه رفاقه- أوجد أرضية حية للثقافة الانجليزية , والثاني -بالاتكاء علي ما قدمه الطهطاوي -شكل أرضية حية وميلا للثقافة الفرنسية, ولكن في الفترة الآنية , ومع نمو المشروع القومي للترجمة بوصفه مؤسسة منفصلة عن المجلس الأعلى للثقافة , فأظن أن هذا الدور لم يعد فرديا بشكل كامل , وإنما أصبح هناك ما يمكن أن نسميه سياسة ثقافية تحدد إلي حد ما طبيعة التوجه , مع الانفتاح في الوقت ذاته على كل الثقافات .
الشراكة الحقيقية بالنسبة للمثقف العربي مرتبطة -في الأساس- بتوفير المناخ المحفز علي الإبداع , وهذا المناخ ليس سياسيا فقط , وليس اجتماعيا فقط , وإنما يتشكل هذا المناخ وفق سياق خاص , يعيد للمثقف دوره الريادي المفقود .
مالذي ينقص المثقف العربي لتحقيق طموحاته ؟
أهم شيء -بكل صدق -ينقص المثقف العربي , يتمثل في أن دوره في الفترة الآنية غير محسوس , سواء على المستوى الرسمي أوالشعبي ,ففي فترات سابقة كان للمثقف -المثقف الرائد- دور واضح ,وكانت كلمة منه سلبية أو إيجابية , كفيلة بخفض أو رفع قيمة روائي أو شاعر أو كاتب قصة , لأننا كعرب في فترة سابقة كنا نجيد فن صناعة المثقف الرائد , أما الآن فإننا - لأسباب عديدة -لم نعد نجيد هذا الفن , وقس هذا التوجه في كل الأمور الخاصة بالفن والثقافة .
ما ينقص المثقف -أيضا - جزئية التواصل , وفقدان هذه الجزئية المهمة , لا يرتبط كما يردد البعض بالمثقف أو المبدع فقط , وإنما يرتبط بسياق عام لم يعد يعطي الثقافة اهتماما خاصا , إن الصفحات الثقافية علي سبيل المثال في صحفنا العربية هي أول الصفحات التي تلغى لصالح الرياضة والإعلانات التي تدر دخلا ...فهل تأتي فترة -كما كان موجودا سابقا - ونجد قصيدة لشاعر أو قصة لقاص أو مقالة نقدية لناقد متصدرة الصفحة الأولى .ما ينقص المثقف في سياقنا الآني , العمل الجماعي الذي يشكل الرؤى والتصورات , التي يمكن أن تكون وثيقة الصلة بتلك المرحلة , فالمثقفون العرب يعملون وكأنهم جزر منفصلة , فإذا التقت هذه الجزر , فإننا نجد الشد والجذب واضحين . خذ مثلا السجال الدائر بين (الجابري ) و(طرابيشي ),فهذا السجال - بالرغم من كونه صحيا ومفيدا -لم يستثمر نقاط الاتفاق , ولم يقارب نقاط الاختلاف مقاربة صحيحة , والمتأمل لهذا السجال يدرك أن البداية كانت تفصح عن نقاط اتفاق كبيرة , ولكن بفعل السجال غير البناء , تحول إلى عمل من أعمال النقض والمحو.
كيف تجد حضور الكلمة المكتوبة اليوم أمام الصورة ألم يسرق ( نص الصورة ) الأضواء من ( النص الثقافي المكتوب ) ؟
إذا كان السؤال عن تراجع الكلمة المكتوبة بالمقارنة بالصورة, وأن أدب المسلسلات والأفلام أصبح مسيطرا مقارنة بالمكتوب ,فهذا صحيح إلي حد بعيد ,ولكن كل هذا يعود إلى نص جيد مكتوب في الأساس , فالورق هو الفيصل , فوحيد حامد أو أسامة أنور عكاشة , لا يمكن أن تعتبرهما كاتبين للسيناريو فقط , فهما مبدعان قبل رؤية أعمالهما علي الشاشة , ولهما وجهة نظر في الحياة , ولهما قدرة علي استشراف المستقبل من خلال تحليل الواقع , ومن ثم فالكتابة -بالرغم من طغيان قيمة الصورة -تظل مهمة , لأنها الفعل المحرك لكل الأفعال التالية .أما إذا كنت تقصد القول أن فعل الإبصار والمشاهدة الساكنة , قد حل محل القراءة الفاعلة , فهذا أيضا به نوع من المشروعية , وقد استمعنا مؤخرا في ملتقى النص بجدة , عن جنس أدبي يعنى بالسيرة الذاتية المرئية للباحثة أمل التميمي ,وهذا يشير إلي أن عصر ما بعد الحداثة قد أعطى قيمة للصورة على حساب النص المقروء , لأن هناك توجها ما , يتعامل مع الصورة على أنها نص كامل الأركان , فتحليل الصورة , خاصة الصورة المتجذرة في السياق السياسي قد يكون فاعلا في رؤية الفعل ورد الفعل , بل في معرفة المواقف المطروحة المتعارضة , ومعرفة النتائج .
المثقف في العالم العربي أليس مساهما فيما يعيش فيه من حالة تهميش ؟
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نحمل المثقف العربي , بتوجهاته المختلفة مسئولية اختفاء دوره , وتهميشه , بل على العكس من ذلك , فإن هذا التهميش يعود إلي حد بعيد إلي السياق العام الذي يتجذر فيه المثقف العربي , الذي تتكاتف فيه ظروف غير مواتية ومحبطة , التي تمنع قول الرأي المباين . والمثقف العربي في إطار هذا السياق العام يوجد بين مطرقتين : مطرقة المداهنة والتقية , وهي مطرقة تفقده منطلقاته الأساسية في التفكير والإبداع , وتفقده صدقه الحيوي ,وهناك على الطرف المقابل مطرقة الانعزال والتهميش , والانزواء والعمل بعيدا عن المؤسسات الموجودة بفعل هذا السياق الخانق, ولكن مطرقة الانعزال والانطواء والتهميش أقل ضررا , لأنها لا تقضي على سلطة وجوده , ولا تغير منطلقاته الأساسية , هي فقط تؤثر على دوره التواصلي الفاعل .
إن دور المثقف في تهميش دوره قد يكون مرتبطا به بنسبة ضئيلة جدا , بكونه لم يستطع أن يجعل هذه الظروف عامل دفع للأمام , وكثير من المثقفين تعاظموا على هذا السياق , بردود أفعال مختلفة , مثل الهجرة , أو بناء أنساق فكرية شديدة الخصوصية بهم , ومن ثم تلاشت أسباب الصدام مع هذه السياقات .
ما هو تابو المرحلة في نظرك ؟
من المعروف بمرور الأزمنة أن التابو شكل بالتدريج , من خلال أصناف ثلاثة , وهي الجنس والدين والسياسة ,وهذه التابوهات الثلاث تكونت بالتدريج بفعل الأشكال الإبداعية المتوالدة تدريجيا .
إن السياق العام يشير إلى أن مقاربة التابو الديني أصبحت نسقا فاعلا في اللحظة الآنية , وخاصة بعد أن أصبح الهجوم على الإسلام عمل من لا عمل له , ومنطلقا لكل خال من الموهبة , وكأن الهجوم على الإسلام -نظرا لردود الأفعال المتباينة - يضع صاحبه موضع شهرة واهتمام غير عاديين , والدليل على ذلك الفيلم الهولندي , الذي أساء للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم , فالفيلم بمقياس الجودة الفنية , كما أشار إلى ذلك الهولنديون أنفسهم ضعيف ورديء ولا قيمة له ,ومن ثم فهي خطوة من صاحبه , لكي يكون في دائرة الاهتمام . فالتابو الديني في المرحلة الآنية والمقبلة سيكون موضوعا في بؤرة التركيز , خاصة في ظل صراع الحضارات والإثنيات العرقية , التي أخذت حيزا فاعلا في تشكيل ورؤية الآخر , ولكن هذا التوجه لا يلغي استمرارية وجود الأصناف الأخرى , وإن كان صليلها سيقل بالتدريج .
No comments:
Post a Comment